| 2. مفاهيم أساسية: | |||
|
2-1. مفهوم المنظومة (Systems Concept): يرتبط مفهوم المنظومة بعدد من الأساسيات أهمها: 1. أنه طريقة للتفكير لتناول أي مجموعة من المركبات 2. لابد أن نتناول المكونات مع التفاعلات المرتبطة بها والمتولدة منها 3. هذه المجموعات قد تضم تركيبات مادية أو غير مادية تركيبات مادية مثل المؤسسات والتنظيمات بأنواعها فنية / إدارية/تعليمية أو غير مادية مثل تركيبات المشكلات أو المواقف والمعلومات المتعلقة بها وهي تضم أيضا تركيبات الإجراءات والسياسات والمناهج وما يتعلق بها من تأثيرات على الأشخاص والمجتمعات والتجمعات. إلى جانب ذلك أنه يعتمد على توظيف عددا من التقنيات والأدوات والطرق التي تساعد على تمثيل (وتحليل) هذه التفاعلات وتأثيراتها. هذا وقد ظهر هذا المفهوم بطريقة أكثر وضوحا مع ظهور دراسات تحليل وتصميم النظم وبحوث العمليات والسيبرنتكس (Cybernetics) منذ بداية الأربعينات والذي واكب ظهور النظرية العامة للمنظومة GST(General System Theory) التي طورها أحد علماء الأحياء (Bertalanffy, 1945) لتتناول أي ترتيبات للمكونات والعناصر سواء كانت حية مثل البكتريا والخلايا والإنسان أو الأشخاص والمجتمعات وحتى الكواكب بطريقة موحدة. ويعتمد مفهوم المنظومة على عنصرين رئيسين هما: · فكر المنظومة System Thinking · مدخل المنظومة System Approach حيث يعبر مدخل المنظومة عن طريقة الاقتراب والتعامل مع المشكلة أو الموقف من خلال مجال ورؤية أوسع يغطيان جميع الجوانب بما فيها التفاعلات بين الأجزاء المختلفة له. وهنا يظهر أهمية تبني فكر المنظومة في التعبير عن المشكلة ووضعها في الإطار الذي يحقق التعامل مع "الكل لها" (Keating, 2001). وأشار شيكلاند (Checkland, 1990, p. 22) في ملخص دقيق عن حركة المنظومة إلى التشابه بين تطور فكر المنظومة ونشأة تطبيقات العلوم خلال حركة التاريخ، فكما تحدث فلاسفة العلوم عن العلم (Science) يتحدث رواد المنظومة عن (System) وعندما أشار العلماء، مع ظهور الثورة العلمية منذ 1817، إلى أهمية المدخل العلمي (Scientific Approach) لحل المشكلات والذي لا يرتبط بعلم معين ولكن بتطبيق القواعد العلمية على المشكلة في أي تطبيق أو مجال من العلوم باستخدام التفكير العلمي (Scientific Thinking)، أصبح المدخل المنظومي (Systemic Approach) مرادفا لتطبيق مفهوم المنظومة في حل المشكلات، خصوصا تلك التي وقف المدخل العلمي عاجزا عن إيجاد حلول لها، ويصبح الفكر المنظومي (Systemic Thinking) صفة يتمتع بها الفكر في إطار التفكير العلمي. 2-2. الفكر التحليلي والفكر المنظومي: تعددت طرق واستراتيجيات تناول وتمثيل وتطبيق مفهوم المنظومة وخرجت من كل منها مرادفات لتعريف فكر المنظومة (Laws, 2004) إلا أن أهم وأبسط تعريف جاء به العالم شيكلاند "أن فكر المنظومة والفكر التحليلي هما مكوَّنا للتفكير العلمي"، وأشار إلى أن فكر المنظومة قد تأسس على زوجين من الأفكار هما: النشوء و الهرمية (Evolution-Hierarchy)، ثم الاتصال والتحكم (Communication-Control): 2-2-1- النشوء و الهرمية (التسلسل الهرمي): تأثر فكر المنظومة من المقارنة بين التقسيم أو التجزئة (reductionism) والكلية أو البناء (holism) في دراسة المشكلة (الموقف/الظاهرة). حيث اعتمد تحليل المشكلة (في المدخل العلمي) على تجزئة الكل (المشكلة أو الموقف) إلى مكوناتها لتسهيل دراستها وتعرف طبيعة عمل كل جزء منها ثم إعادة بناء هذه المكونات لتفسير عمل الكل لها، شكل (1-أ)، حيث يصبح تشخيص المشكلة اسهل وإدارة الحل أكثر أمانا. ومع التجزئة يكون الاهتمام بوصف المشكلة وطريقة عمل الكل بالإجابة عن السؤال (ما المشكلة؟). ونظرا لأن دراسة المكونات أو الأجزاء بمعزل عن بعضها، من الصعب أن يعطي الخصائص الكاملة لمجموعها أو الخصائص التي تنتج من تكاملها معا؛ فإن استنباط خصائص الكل من الأجزاء لم يكن دقيقا. فمن خلال التفكير في الكل معا يمكن تفسير أسباب نشوء خصائص جديدة تظهر مع البناء الهرمي أو التسلسل الهرمي للمكونات. هذه الرؤية تسمح بتفسير أسباب نشوء خصائص جديدة (أو توليد خصائص) للكل والتي قد لا تتواجد في الأجزاء المكونة له. ورغم أن أرسطو قد أشار منذ أوائل عصر العلوم إلى أن "الكل أكبر من المكونات الداخلية له" على اعتبار أن الكل أكبر من مجموع الأجزاء، إلا أن علماء الأحياء كانوا سباقين في الاهتمام بدراسة الكائنات الحية من منطلق تركيباتها المختلفة وتفاعلات مكوناتها. بهذا المدخل أصبحت السلسلة الهرمية التي تضم النواة، ثم الخلية الوحيدة ثم الخلية والأعضاء في الواقع تؤدي إلى المنظومة الحية (Living System) والتي يمتد التأثر بها حتى تجمعات المخلوقات (مجتمعات). وهنا أيضا تصبح تفاعلات خصائص الكل أكثر تعقيدا كلما اقتربنا من قمة التسلسل الهرمي، حيث تؤدي هذه التفاعلات إلى ظهور خصائص جديدة عند كل مستوى لا تظهر في المستوى السابق له ولا يعرفها. بهذا المفهوم والذي يعتمد على دراسة الكل مع تفاعلات الأجزاء، شكل (1-ب)، نستطيع أن نحصل على إجابة "لماذا يظهر هذا السلوك للكل؟ "إلى جانب" ما المشكلة؟" ويجب أن نلاحظ أن التسلسل الهرمي هنا يشير فقط إلى طريقة ترتيب مستويات الخصائص لها ولا يمثل طريقة مادية للجمع بينهم. وفي جميع الأحوال فإن هذا التمثيل للمكونات والخصائص يستخدم لتفهم والتعبير عن الطريقة التي تتواجد بها في الطبيعة. فعلى سبيل المثال فإن اتحاد ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأكسجين ينتج عنه جزئ من الماء له خصائص جديدة لا نراها من كل ذرة بمفردها، ولكن يبقى وزن جزئ الماء مساويا لمجموع أوزان الذرات المكونة له. وهناك العديد من الأمثلة للتدليل على فعالية استخدام كلا الطريقتين للتحليل والبناء (التوليف) لتفسير سلوك مجموع المكونات. |
|||
|
|
|||
|
شكل (1) التجزئة والبناء 2-2-2 الاتصال والتحكم: فكر المنظومة يعتمد اعتمادا رئيسًا على فكرة تبادل ونقل المعلومات والطاقة بين مكونات المنظومة فيما بينهم وبين المنظومة والبيئة التي تتواجد بها. فتبادل المعلومات يعتبر خصيصة أساسية في حياة الكون، فمع المنظومة الحية يعبر الحمض النووي (DNA) عن مخزن وسجل تكويد المعلومات الخاصة بالخلايا التي تتراص منها. هذا المخزن يضم 46 كروموزومًا معها 46 مجلدًا تضم 34000 من الأكواد الكيميائية (جينوم) بها ملايين السجلات والرسائل الكيميائية التي تحمل معها تعليمات محددة عن الطريقة التي تتم بها التفاعلات الكيميائية في الخلايا ليظهر عنها خصائص جديدة أو تمحو خصائص أخرى وتمنعها من الظهور. فهي تنتقل وتتحكم في ظهور هذه الخصائص. وإن كانت المنظومة الحية تحمل معها سجلات تحدد خصائصها مع تعليمات توليد هذه الخصائص تنقلها لمكوناتها عبر زمن الحياة لها (ذاكرة ودستور)، فإن منظومة المجتمع أيضا(كمنظومة حية أيضا) والتي تعاني من تأثيرات معقدة للتفاعلات المختلفة لمكوناتها تحمل معها ذاكرة ودستور. ويعتقد البعض أنه يمكن فك شفرة هذه الذاكرة واستنباط طرق إجراء جراحات التغيير في المجتمعات أو إعادة هندسة المجتمعات كما تستخدم الهندسة الوراثية في خلايا الإنسان. وبعيدا عن منظومة المجتمعات ففي المعدات ونظم المعلومات والنظم الهندسية أو ما يعرف بـ "المنظومة التي يصنعها الإنسان" يصنع الإنسان وسائل مختلفة لنقل المعلومات (بالاتصال) لتستخدم لبدء تسلسل عمليات التحكم في وظائف المنظومة. 3. عصر المنظومة (System Age): تبلورت حركة المنظومة (system movement) منذ أواخر الستينات وأخذت أشكالا ومجالات مختلفة، حيث أشار العديـد مــن الباحثين وأولهــم (Ackoff, 1981) إلى أن العصر الذي نعيشه الآن هو عصر المنظومة، مقارنة بعصر الماكينة (Machine Age) والذي احتل الثلاثمائة عام السابقة للحرب العالمية الثانية والذي تميز بظهور الإدارة العلمية التي تبنت تقسيم العمل والوظائف مع تنميط المنتجات ذات الإنتاج الكمي، وبذلك تبنى هذا العصر فكر التجزئة والتحليل. إلا أن الإدارة العلمية وتقسيمات العلوم لم تستطع أن تجد نماذج مناسبة تعطي حلولا جذرية للتفاعلات المعقدة للمنظومة الإنسانية -الاجتماعية أو الثقافية مع بعضها أو بينها وبين الطبيعة، وكانت نظريات وتطبيقات علوم الإدارة أكثر من تأثر من قصور قدرة التفكير العلمي بمفرده لحل مشكلاتها المركبة. ولذلك اتجه العلماء نحو التأكيد على عدم جدوى تجزئة المشكلة ونجد العديد من الباحثين الذين يؤكدون على أهمية تناول المؤسسة كمنظومة مركبة (Dalton,1971, Folwer, 1998) لتصبح المؤسسة في عصر المنظومة بناء لا يقبل التقسيم، ويصبح كل شيء في الكون متصل، وصناعة المعرفة أهم من الإنتاج الكمي، وتصبح المؤسســة منظومــة حية (Wheatley, 1994 ، Miller, 1997).
|
|||