4. المنهجية
 

تم تعريف البحوث العلمية على أنها المحاولات الدقيقة للتوصل إلى حل أو حلول للمشكلات التي تواجه البشر سواء كانوا أفرادا أو جماعات.  وارتبطت جودة البحث العلمي دائما بالمنهج الذي يستخدمه الباحث لبناء المعرفة المطلوبة لحل المشكلة التي يقوم بحلها. وبذلك فقد ارتبط حل المشكلات بالمعرفة والمنهجية. هذا الارتباط لم يتواجد بصورة واضحة قبل القرن السابع عشر وظهور الدعوة إلى الاعتماد على المعلومات والحقائق مع عدم  التسليم بالمقدمات مهما كانت مصادرها وهو ما يميز المنهج العلمي. 

وبالتأكيد فقد ساعد ظهور المنهج العلمي للتفكير على تنمية فكر المنظومة للحد الذي جعل العلماء يبحثون عن منهجيات جديدة لتناول المشكلات والتي غالبا ما تكون مركبة.  ويمكن أن نشير هنا إلى فصيلتين رئيستين من خصائص المنهجية هما:

· منهجية الخطوات المرتبة ( systematic methodology)

·  منهجية منظومية  ( systemic methodology)

ويمكن تعرف الفرق بينهما من خلال فحص مجال وأدوار ومدى كل منهما، حيث تتميز المهنجية المنظومية باستخدام مجالات وأدوار متعددة لتطبيق خطوات تكرارية للحل ضمن رؤية شاملة، عكس المنهجية المرتبة التي تضم أدوار محدودة وننتقل بها عبر الحل بطريقة خطية.

4-1. - تطبيقات ومنهجيات المنظومة:

كما سبق الإشارة يكون للمنظومة دائما هدف يرافقه وظائف تقوم بها ومخرجات نود الحصول عليها منها. فبناء منهج دراسي يمكن التعامل معه كمنظومة ويمكن أيضا أن يكون منظومة فرعية ضمن منظومة تطوير المناهج ضمن منظومة  تطوير البرامج، والتلاميذ والمنهج يمكن التعامل معهم كمنظومة، والتلاميذ ضمن الإدارة المدرسية منظومة أيضا. كل هذه الترتيبات تعتمد على الهدف المطلوب تحقيقه والوظائف التي نتوقع من المنظومة القيام بها. وفي كل حالة تختلف مكونات المنظومة ووضع عناصرها ومنها الجدار الذي يحدها. ولكن تبقى هناك حقيقة مهمة أننا نحتاج دائما إلى منهجية تأخذنا عبر مراحل تحديد أهدافها، ثم تحليلها، و تصميمها و بناؤها. وتذخر الأدبيات الآن بالعديد من المنهجيات التي نشأت وتطورت مع حركة المنظومة للحد الذي يصعب حصره (Bubenko, 1986; Holmn, 1999). ولذلك فإننا سنتعرض هنا باختصار للمنهجيات التي تمثل نقلة نوعية من حيث المدخل والفلسفة.

أ-  المنهجية اللينة (Soft Systems Methodology):

تم تطوير هذه المنهجية لتتعامل مع المشكلات اللينة والتي ترتبط غالبا بمنظومة الأنشطة الإنسانية. وقد بدأ نشوء هذه المنهجية من الدراسات والتطبيقات التي قام بها بيتر شيكلاند أستاذ النظم بجامعة لانكستر في إنجلترا، ولذلك فهي تسمى أحيانا منهجية شيكلاند.  وتشير هذه المنهجية إلى ضرورة معالجة المنظومة بصورة شاملة باعتبار جميع العناصر المتفاعلة معها والتي تضم: عملاء، فاعلين، مالكين، عمليات تحويل، رؤية العالم الخارجي، والبيئة. وهي منهجية عامة تصلح لجميع المواقف والتطبيقات لتفهم المشكلة.

   ب.   المنهجية المهيكلة (Structured Methodology):

المنهجية المهيكلة تعتمد على تبني خطوات بنائية لتطوير المنظومة، وهي تضم الآن عددا      من  المرادفات لها أهمها:

(1)    منهجية الشلال (الخطية): حيث يتم تقسيم الحل إلى مراحل متتالية تحقق كل مرحلة منها هدف أو منتج مرحلي يقودنا في النهاية إلى الهدف النهائي. ويتم البدء في كل مرحلة بعد الانتهاء من السابقة.

(2)  منهجية الشلال المعدلة (تكرارية): هي نفسها منهجية الشلال ولكن ننتقل بين المراحل بصورة تكرارية.

(3)  المنهجية الحلزونية: هنا يتم تنفيذ الحل في دورات تكرارية تبدأ من تحديد الأهداف لتعود إليها في نهاية كل دورة لتعديل أو إضافة أهداف أخرى.

(4)  منهجية النموذج المصغر: هنا يتم بناء منظومة مصغرة تضم عددا من المتطلبات المحدودة ثم الاستمرار في بناء الحل في دورات يسمح في نهاية كل منها تقييم الحل وإضافة متطلبات جديدة للوصول إلى المتطلبات النهائية.

في المنهجيات السابقة يتم تمثيل المنظومة من خلال الأنشطة أو الوظائف أو العمليات مع البيانات والمعلومات التي تحملها أو تنتجها أو تحتاجها هذه الوظائف والأنشطة بصورة منفصلة وباستخدام أدوات وطرق النمذجة التي سبق الإشارة إليها.

     ت.  منهجية التحليل بالكائنات (Object-Oriented Analysis):

مع المنهجيات المهيكلة يتم التعامل مع المنظومة من خلال نماذج البيانات ونماذج الوظائف والعمليات التحويلية بصورة منفصلة إلى جانب العناصر الأخرى التي قد تحتاجها عمليات النمذجة والتوثيق. مع منهجية الكائنات يختلف هذا التمثيل جذريا حيث يتم تمثيل المنظومة من خلال تعُّرف على الكائنات التي يتحدد أدوارها طبقا لطبيعة وهدف ومجال المنظومة والتفاعلات فيما بينهم، وبحيث يضم كل كائن الخصائص المعبرة عنه والدور الذي يقوم به نتيجة للتفاعل بينه وبين الكائنات الأخرى. ومع بناء الكائنات بما تحمله من خصائص وسلوك يمكن تمثيل تركيباتها مع الخصائص الجديدة التي تنتج عنها والسلوكيات التي تورثها أو تنقلها إلى مشتقاتها. ولذلك ظهرت مع هذه المنهجية تكنولوجيا توليد الكائنات والقوالب (objects and classes) ثم استنباط النمط السلوكي للعمليات (process pattern) وبذلك فهي تقترب من تمثيل العالم الحقيقي للمشكلة ليساعد ذلك على تحول نظم الإدارة (بالحاسبات) إلى أنماط مكررة يمكن إعادة استخدامها وتوليد أنماط جديدة منها، مع القدرة على محاكاة السلوك الديناميكي لها.

ث.  منهجية ديناميكا المنظومة (Systems Dynamics):

تختلف منهجية ديناميكا المنظومة عن المنهجيات الأخرى اختلافا رئيسًا في أنها تعتمد على التمثيل الكمي لتحديد الأسباب التي تؤدي إلى ظهور الأداء الحالي للمنظومة ثم إعادة تصميم المنظومة لتحسين هذا الأداء.  وتعتمد هذه المنهجية على توظيف برامج المحاكاة باستخدام الحاسب الآلي من خلال تمثيل المعلومات التي نعرفها عن المنظومة (اجتماعية إنسانية أو طبيعية) مع العالم الذي تعمل فيه في صورة نموذج رياضي أو منطقي.  وقد قام العالم فورستر بإرساء قواعد هذه المنهجية عام 1960 واستمر في تطويرها حتى أصبحت طريقة مستقلة للتفكير ضمن مناهج المرحلة الإعدادية والثانوية في المدارس الأمريكية ليصبح فكر المنظومة بالتحليل الكمي والتوليف أحد طرق التدريس ضمن مشروع بدأ عام 1990. 

هذا وسيكون استخدام هذه المنهجيات في حل مشكلات حقيقية هو موضوع الوحدات التالية.